يقولون إن الصورة بألف كلمة .. تغنيك عن الكلمات والوصف .. تتكلم هى بلغتها الخاصة وتلقى بالحقيقة صاخبة فى وجهك ، لا تكذب ولا تتجمل ، تعترف بما يحدث وتترك لك وحدك تصنيفها بما يوافق قناعاتك.. ولكنك لا تستطيع أن تنكرها.
تخيل ما تستطيع أن تفعله الصورة بنا.. فما بالك بالصورة المتحركة ، بالفن الحي النابض بحياتنا وحياة الآخرين ، المتأنى بالوقت ليوصل لنا افكارا وأحداثا نابضة بالحياة والكلمات والموسيقى ، بشخصيات تعيش وتتحرك وتتفاعل ، بأحداث قد تمر بك مرور الكرام، ولكن يأتي الفن ليلقى عليها الضوء ويثير اهتمامك بحدث معين ، لتفهم اكثر .. بعدها تستنكر وترفض ، او تتعاطف وتدافع وتدعم .. او تستعذ من الشيطان الا يصيبك الله بما قضى به على الآخرين!
هذا هو دور الفن والإعلام المرئي .. يتفوق على الأدب والفكر المكتوب بأنه أسهل في الاستيعاب ، لأنك تتلقى المعلومة جاهزة سلسة ، تتسلل إلى وجدانك بدون مجهود يذكر. مضطجع أنت على كرسيك أو أريكتك ، مسترخ لتصل الفكرة إلى عقلك بخفة ودلال.. قد تكون قد مرت عليك مرور الكرام، فى الجريدة أو جملة في كتاب او بوست فى وسائل التواصل الاجتماعى .. ولكن يأتى الإبداع ليوصلها لك ويجبرك على التفاعل!
ولأننا فى رمضان ، شهر المسلسلات المكثفة ، يتسابقون لينالوا اهتمامك ورضاك إن أمكن ، ولكثافة المشاهدة ، فإنها فرصة لإلقاء الضوء على ما يحدث فى حياتنا من تغييرات مذهلة ، تجعلنا نجد صعوبة فى التعرف على المجتمع الذى تعايشنا معه لعقود ، ولكننا أصبحنا غرباء عنه نحن جيل الآباء ، فالتغييرات سريعة و متلاحقة وتؤدى أحيانا إلى تواجه الأجيال وتبادل الاتهامات.
ذلك رجعى متجمد ، لا يريد مسايرة الواقع حتى إن لم يفهمه ، وذاك متمرد ثوري منقلب على حياة لم تتجدد لعقود ، ليأتي هذا الجيل ويعوض كل ما فاته ويحملنا معه إلى آفاق مستقبل مختلف لا يستقر على حال ولو لشهور ، تسانده تكنولوجيا متطورة ومعفرتة لا تهتم بما يصيب حياة الناس وقيمهم والمبادىء الخالدة التى لا يجب ان تتغير .. يحولهم إلى روبوتات عملية مادية ، تخاصم كل ماهو إنسانى حتى يأتي وقت ، كما تنبأ الفن فى أفلام عديدة ، لتسيطر علينا تلك الآلات الجامدة الحديدية بعدما تكون قد ملكت فكرها وإرادتها الخاصة، لتحولنا نحن صانعيها إلى عبيد وملك يمين لها ان قدرت!!
ترى ماذا يمكن أن يؤهلنا الفن له؟ أرايت رسالته التحذيرية من خطورة المستقبل إذا لم ناخذ حذرنا من الآن!
إنها ثورة الأفكار التي تتجسد لنا حياة حقيقية ، تمشى على قدمين مثلنا وتفرح وتحزن وتتعذب وتعانى وتغير شكل الحياة ، لتراها حقيقة أمامك ، متمثلة في أناس مثلك ، لترى بأم عينيك ، حياتك وهى معروضة أمامك إذا حدث ماتنبأ به العلماء والمفكرون ، حقيقة صادمة بتفاصيلها الحياتية .. ربما تحفزك لتقوم وتطالب أولياء الأمر أن ينقذوا مايمكن إنقاذه وهذه هي عظمة الفن عامة والسينما والتليفزيون خاصة!!
وربما يكون التليفزيون قد سحب البساط من تحت قدمى السينما ، لأنه يأتي إليك بدون استئذان حتى عتبة كنبتك ، يتسلل إليك يوما بعد الآخر فى نفس الميعاد.. يمنيك بأحداث مشوقة تنتشلك من مللك وروتين حياتك.. أو تشجعك على قبول مايرفضه ضميرك ، أو تصحح لك مفاهيم تصورت نبلها لتكشف أنها ضد أي نبل تصورته فى حياتك الماضية .. سلاح خطير لأنه يؤثر مباشرة على مشاعرك وعقلك.. فهذا حاكم ظالم يتوجب الخروج عليه ، وذلك فاسد مقيم وهارب من القانون أو متامر مع من يحميه من أي عقاب ، وذلك زوج متعدد العلاقات يحميه مجتمع يغفر كل شيء لجنسه المهيمن على الكون ، وتلك امرأة لعوب لا شرف لها، لا تستحق ما منحته لها الحياة من كرم ، وذاك عالم مجنون يريد فناء العالم إلا سفينة نوحه الخاصة ، ليبدأ عالم جديد لايحلم به إلا هو وحده ، وتلك افكار مستقبلية تتنبأ بأوبئة أو بالعيش فى كواكب أخرى أو عوالم كانت خفية عنا ، لتثبت لنا اننا لسنا وحدنا الجنس العاقل المفكر ونكتشف ضالتنا رغم غرورنا الطاغى وظلمنا لبعضنا ، أو حاشا لله انكارنا للألوهية و زهونا بعقل هو منحة الرحمن لننكره به ونرفض تعاليمه و لغبائنا نخرج أنفسنا من رحمته!
أرأيتم روعة وخطورة الإبداع ورسالته المتسللة إلى حياتنا بنعومة ومكر، لتغير وتبدل وتجري إحلالا وتجديدا لقيمنا وأفكارنا وقناعاتنا .. فلنحذر محتوى تلك الرسالة ، إنها لو تعلمون عظيمة وخطيرة في آن واحد!!
-----------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني